فاكرين.. كان أحلى مشهد عشناه، يوم ما فتح الرئيس السيسي قصر الاتحادية لاستقبال نخبة نيابة عن الشعب.. دخلنا معهم الاتحادية فانشرحنا بأمجادنا، وبالخلاص، ولمسنا ما طال انتظاره عهودا، أن نكون شركاء في وطننا.. تزاحمت أحلامنا المؤجلة على باب القصر فتشابكت مع ملفات الدولة.. واختلفنا، لقناعتنا بأولوية التعليم والصحة كبنية أساسية للكرامة والحرية.
مرت سنوات، وتغير وجه وجسد مصر قبل وعي الشعب.. ثم باغتنا فيروس كورونا وأجبرنا دولة وشعبا على قفز الحواجز واقتحام صحاري التعليم والصحة، التي هابتها الحكومة!
واليوم، اعتلى حرف ال (E) منصة الإدارة، وبدأت العاصمة الإدارية ومؤسسات الدولة غربلة موظفي الحكومة خارج وداخل الخصخصة.. لا مكان للطربوش فوق الكمبيوتر، الحضور والانصراف والإنتاج خضع للبصمة، تلال دفاتر الصادر والوارد والهالك، وطلبات الخدمات وتحصيل فواتيرها، أصبحت صفحات ذكية موثقة بلمسة.. انكمش زمن التواصل مع، والانتقال بين أطراف الدولة، في تطور أسرع من قدرة الكثيرين على الاستيعاب أو رغبتهم في التغيير، لأن الاعتياد أريح، وفقدان مزايا المكتب ونفوذ المنصب، حجب الرشاوى، وشهوة التلذذ باستغلال وتعذيب المواطن!
وفي خضم لهاث الإنجاز، غفلت حكومتنا عن مراجعة تواريخ صلاحية مساحيق تجميلها!! التي فسدت لأن عمرها سبعة عقود، محفوظة من أيام عبد الناصر بنفس العلبة القطيفة الحمراء!!
مثلا محافظ يتشرف بتنفيذ ما تصورناه ضربا من الخيال، وهو إنفاذ القانون.. فيتجه سيادته لافتتاح أمر إزالة برج مخالف، متهاديا ومرافقوه على سجادة حمراء!! المحافظ فتح العلبة القطيفة وقال ان مقاول الهدم استأجرها ترحيبا به !!ومحافظ آخر خشي عقاب نفاذ الوقت المحدد له، فدفع ببلدوزر الهدم للبدء من أسفل عقار مخالف، لينهار العقار على البلدوزر والسائق!! ثم يتجمل سيادته من العلبة القطيفة!!
مشكلة حكومتنا هي التزام الوزراء بثوابت تأمينهم، وهي الجولات سابقة التأمين، صواريخ المٌسكنات الشعبية، واستدعاء الخط الساخن لنجدتهم، وهو ضعف الميزانية وغياب الوعي.. وفقا لنصائح مستشارين لكل الحكومات، متمرسين في الكر والفر، خبراء مواقيت إطلاق القنابل المسيلة لدموع الشعب من " رفع الدعم" إلى "خفض سعر الفائدة" ثم "فرض الضرائب"، أو إطلاق شائعات لجس النبض مثل ضرائب الودائع!!
وطالما بقي النجاح ب 8 درجات من 20 في مادة التاريخ، فلن يُقرأ كتالوج الشعوب، ولن تُراجع تواريخ إنتاج أو انتهاء صلاحية وسائل التجميل أو محاذير سوء استخدامها.. ستظل "حشوا" مٌزعجا!
ولهذا يسبح المسئول دون تبصر مع تيار الجولات سابقة التخطيط، ويغرف من شوال التصريحات المقاس الواحد لكل المواقف والأزمنة!! يرى النقد تشكيكا، والناقد عدوا!! وهي علامات حروق مساحيق التجميل الفاسدة.
ومثلا من شهر، خرج رئيس وزرائنا الهادئ هدوء الواثق، في جولة تفقدية بالمصانع لتشجيع استئناف العمل إنقاذا للاقتصاد.. تجوًل سيادته والمرافقين ومصور الوزارة في أروقة مصنع نظيف كامل الاحترازية، وتصدرت صورتهم الجرائد الصباحية متباعدين بالكمامات بجوار حركة سير المُنتج الجميل، لنفاجأ أنه سائل استحمام مُعًطر خاص بالصفوة!! فيا لسعادة أصحاب المصنع بالزيارة والدعاية!! (جريدة المصري اليوم). مع أنه لو تفقد سيادته أقرب مستشفى حكومي لمكتبه، لقدم وثيقة اعتذار عن تصريحه "أن غياب الأطباء هو سبب زيادة عدد الوفيات"! وأزال رواسب وشوائب.
لو أخد صورة ضبط حالة تلبس واحدة لمستشفى أو معمل تحاليل ومسحات خاص، يتربح من الموت علنا- وما أكثرها- وأعلن تسليمها لإدارة وزارة الصحة، بشجاعة تماثل هدم الأبراج السكنية المخالفة على نفقة المخالفين، لربحنا جميعا شراكة الشعب الدولة.
وبالمثل تفاصيل التحقيقات مع الناشطة سناء سيف والتي انتهت بقرار النيابة، بالحبس 15 يوما، وتوجيه تُهم نشر أفكار وشائعات وبيانات كاذبة عن تردي الأوضاع الصحية في البلاد وانتشار الفيروس، تنفيذا لمخطط عناصر إثارية هاربة من شأنها تكدير الأمن العام.. توقفت أمام ما نُشر من أقوال المتهمة للنيابة، من أنها ووالدتها وشقيقتها تعرضن للضرب من قٍبل 4 سيدات بالأيدي وعصي خشبية وحجارة بعد سرقة هواتفهن.. استعدت مشهد "المواطنين الشرفاء"- سيدات فتوات- اللاتي أُطلقن لإرهابنا أثناء انتخابات نقابة الصحفيين قبل الأخيرة، أيام محاولة استعداء الشعب للصحافة، قبل تفريغ النقابة.. وأصابني بَلَم!!
قوة الدولة اليوم جلية، مشروع تسكين مواطني العشوائيات، وإصلاح البنية الأساسية، وتوسعة الطرق ومد الكباري وعودة الانضباط للشارع، مع جسارة تفعيل قانون إزالة مخالفات البناء، شحن الطاقة الإيجابية للشعب.. وتبقى أن تتخلص الحكومة من مساحيق التجميل الفاسدة، الوجوه المغسولة شموس.
-------------------------'
بقلم: منى ثابت